عندما تغادر الطيور أعشاشها و تشق خيوط الشمس الذهبية صحائف الأفق و تبدد سواد الليل، في يوم ليس كسائر الأيام، يحتفل الناس، يتزاورون، يتعانقون، و يوزعون باقات الورود، يلتهمون أطباقا شهية من الحلوى و المكسرات و أطباقا محلية متعددة، و يرتشفون الشاي
و يحستون القهوة، و يتحابون و يتسامرون و يضحكون و يفرحون، يكتبون رسائل التهنئة
و يرسلونها إلى الأصدقاء و الأهل و يتفنون في اختيار الجمل الظريفة التي تعكس الرغبة
في نيل الفرح و السرور.
هكذا يكون الناس في يوم العيد أو على الأقل هكذا يرغبون، السمة الأبرز في هذه المناسبة هي تجديد الصلات الأسرية و الأجتماعية عبر التزاور و إلقاء التفي أمانة الله عليكما الخاصة بمثل هذا اليوم "عيدكم مبارك، و كل عام و أنتم بخير"
هو عيد الطاعة و عيد التكافل لذلك فأول عمل يقوم به المرء منذ طلوع الفجر هو تقديم زكاة الفطرة، يراد له أن لا ينسى أن هنالك من لا عيد له و لا فرح و لا سرور، إنها رسالة ذات دلالة بالغة لكل من أراد أن يحتفل و يفرح و يصفق و يتسلى و يمرح و يشارك "شقشقة" العصافير، و"زقزقة" الطيور، و"تغريد" البلابل و نسيم الصمع السلامة و إشراقة الشمس أن لا يغفل لحظة عن أولائك الذين شوهتهم الشمس و أحرقت وجوههم و أضناهم الليل و أنهك أرواحهم، لأن قدرهم العراء و التيه في صحراء الشقاء. إنها رسالة معبرة: عليك أيها المسلم قبل أن تنغمس في ذاتك
و أسرتك أو قبيلتك و بين أصحابك ان تُخرج من مالك مقدارا معلوما حتى تُقبل عضويتك بين أهل العيد و تشاركهم احتفالهم، و عليك أن تُبقي في ذاكرتك هموم أولائك البؤساء و إن كنت في ذروة السعادة، فإذا كانت هذه الرسالة في هذه اللحظة و هذا اليوم فكيف سيكون الخطاب في غير هذا اليوم؟
و لأن هذا اليوم ليس كسائر الأيام فينبغي على المرء أن يغتسل عند شروق الشمس، إنه طهر الجسد و القلب و الروح و حتى الفكر و الإرادة، في هذه اللحظة على المسلم أن يعيد النظر في عمله و سلوكه و إرادته و عاداته و فكره و كل حياته، يا له من يوم عظيم، إنه بمثابة محطة للنقاهة و التأمل و محاسبة الماضي و العزم على تحقيق الجديد في المستقبل، في هذا اليوم يبدو كل شيء جديد و مختلف، حتى اللباس، حيث جرت العادة أن يرتدي الناس أزياء عيدية فخمة
و جديدة و هذا ما يعطي هذا اليوم مزيدا من الأهمية و الدلالة الخاصة، لعل الإنسان أن يطمح بالجديد: ( من تساوى يوماه فهو مغبون ) لأنه يرتدي اللباس الجديد و الأنيق فعليه أن يبدأ العد التصاعدي لتحقيق الإنجاز و النجاح في حياته منذ بداية هذا اليوم و تحديدا عندما تشرق الشمس و تنطلق التهنئة، عليه أن يحزم أمره للإنجاز، أي إنجاز، كل إنسان بطاقته و طموحه و حسبه، عليه أن يضع خطة عمل كاملة للعام القادم، ماذا سيفعل؟ ما هي أبرز الخطوط العريضة التي يرغب في إنجازها؟ ما هو الهدف الأساس الذي سيكون السمة الأساسية للعام المقبل؟
كل هذا بعد أن يدشن يومه بالصلاة المأثورة و المفروضة على كل مسلم و مسلمة: ركعتان يؤديهما جماعة مع الناس، تبدأ بالتهليل والتكبير و الثناء و الحمد أي "بالإستبشار" و تنتهي بهما، تتخللهما ركعتان بعدة قنوتات يدعو المرء فيها خالقه و يبتهل إليه أن يمن على المسلمين "الناس" برحمته و نعمته كما أعطاها لأوليائه و محبيه "محمد و آل محمد".
كل شيء في هذا اليوم يدعو للإتزان و الإعتدال، ففي الوقت الذي ينبغي عليك أن تكون مع الناس يجب أن لا تكون منهم، و في الوقت الذي ينبغي عليك أن تعانق الجديد و السرور و الفرح، يجب أن تستحظر في نفسك و تعانق آلام الناس و معاناتهم، ففي ذلك الخلاص و بذلك يكون العيد الحقيقي، عيد محمد و آل محمد صلوات الله عليهم أجميعن، "ليس العيد لمن لبس الجديد انما العيد لمن نجا يوم الوعيد".
يقال أن السعادة ليست هي الفرح و لكن هي الحب، العيد ليس يوما للفرح بل هو يوم للسعادة، إنه عيد النجاة، عيد الحب و الإخلاص و الإيثار، إنه اليوم السعيد للإنسان السعيد.
كل عام و أنتم بخير أيها الأحبة و عيدكم مبارك.